القائمة الرئيسية

الصفحات


 

مع البداية و حين يخرج الإنسان لنور الحياة نجده يلهج ليظلل نفسه بالرضي و السعادة و يعبر بكل ما يمتلكه من قدرات بسلوكيات وأفعال ليصل للراحة التى ينشدها و إن كانت أحياناً لن تفيده بل تتعدي ذلك بان ما يريده قد يضره أشد الضرر  لكن يختبر مع الوقت أن الحياة كالطعام بعضه حلو و الآخر مالح لكن رغبته الدائمة فى أن يتلذذ بالحلو فقط تجعله أحياناً متنازل و أخرى مقاتل و أخرى متجبر و أناني فالمهم الوصول إلى مراده مهما كانت الطريقة ... 

 فى سعى الإنسان للسعادة يتوقف نجاحه فى فهم الحقيقة على نضوجه و إيمانه و القيم الروحية التى ترشده و إن لم تسعفه هذه كلها نجده يهرب إلى اللامبالاة و يغرق فى بحر اللهو و العبث مع وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يتواصل اجتماعياً بل يصنع لنفسه عالم افتراضي أركانه يختارها من مكونات عدة تتيحها هذه الوسائل لكن تريحه فإن كان عاجز عن الحصول على الكفاية المعيشية يسعى للحصول على الثروة بطرق غير أخلاقية حتى و إن كان الأمر يتطلب بأن يبيع جسده و قدراته و أفكاره و مبادئه من أجل المال و يبدع فى تقديم الإسفاف و موضوعات اللاشيء و لا يسقط وحده بل يجذب إليه ساقطين آخرين  

إن كان هذا الإنسان عاجز عن الزواج أو كبح جماح شهوته نجده يدمر نفسه و يبلي جسده و يستنزف مشاعره العاطفية فى لذة اللاشيء التى توفرها المواقع غير الأخلاقية .

إن كان العته فى البحث المفرط عن المال و تكوين ثروة هو رؤية الإنسان للسعادة فعندها تصبح السرقة ذكاء و الرشوة عادة و الإسراف متعة حتى أن المال لا يصبح وسيلة بل أصل لكل الشرور و جمع المال الذي لا تضبطه الحكمة و لا يكلله الرضي مصيره إلى الزوال و إلى اللاشيء و خسارة الحياة و أقرب الأحباء .

إن كانت رغبة الإنسان فى المعرفة مقيدة بالتكاسل و السطحية و العشوائية و البعد عن الاجتهاد من خلال تفتيش الكتب و تنمية العقل النقدي و امتلاك الرأي مع احترام الرأي الآخر نجده يذهب للبحث عن المعرفة عبر منصات التواصل الاجتماعي أو حتى مواقع و كتب و اقتطاع أجزاء و أفكار منها بدون دراسة لها و التوثق من صدقها بل و معقوليتها فيتحول إلى الإيمان بها و التعصب لها و المهاجمة للدفاع عنها فيصبح كأنه قبطان لسفينة ليس لها شراع تتقاذفه أمواج الجهل و السطحية و الغباء و يصبح عقلة كطفل يحاول أن يمسك الماء فينتهي به إلى الإمساك باللاشيء .

وعندما يبحث الإنسان عن النجاح و التميز  و يخفق لظروف تتعلق بمحدودية قدرات أو تكاسله أو حتى الظروف التى من حوله  فهو يبحث عن النجاح بطرق مختلفة قد يكون بعضها شريف و بعضها الآخر مخيف   مثل الغش و الخداع أو  الركوب على أكتاف الآخرين أو أخذ شىء  ليس من حقه و نسب النجاح لنفسه و هو  لم يكن السبب فيه وكل هذا و لا يكتفي  بالغرق فى مستنقع النجاح الوهمي بل  يكذب بإلقاء اللوم على الآخرين أو الظروف وكذلك سعيه بأن يسقط الجميع فى نفس المستنقع الذى أغرق نفسه فيه وينتهي إلى نجاح وهمي كاذب مبني على اللاشيء ويستمر فى التباهي و التفاخر والتلذذ بهذا الكذب الذى أول المتضررين منه  هو هذا الإنسان نفسه . 

إن عجز الإنسان برخاوته أو بقلة حيلته أو  سوء نيته عن تطبيق القيم و المبادئ فى حياته دون السعي الصادق بأن يبدأ بنفسه و أن يكون مثال للآخرين قبل أن يطالبهم بان يكونوا كذلك نجده يسعي بأن يكون واعظ و مرشد مقنع يتحدث و لا يعمل , يطلب و لا يعطي ينصح ولا يتجاوب هو مع النصيحة ينهر و ينهى و حياته كالثوب البالي فتصبح كلماته جوفاء دون روح و لا صدي لها و تتلاشى إلى اللاشيء و ثمرته لا تؤكل لأنها سقطت قبل أن تنضج و نهره وادي جاف يخضع النظر كالسراب لكنه لا يروي ظمأ العطشان .

فى متحف اللوفر بباريس توجد لوحة غريبة وجاذبة للعين و التفكير هي  لوحة ( كش ملك) أو موت الملك رسمها الفنان الألماني (موريتز ريتش) ليصور حرب الخير والشر أو حرب الشيطان مع الإنسان، في اللوحة يظهر الشيطان واثقا من نفسه والإنسان مرتبك. خسارة الإنسان تمثلها كثرة البيادق البيض مقابل بيادق الشيطان السود القليلة. نظرة الملك الحنونة تجاه الإنسان. والجمجمة تمثل جانب الشر عند الشيطان ويقولون أن هناك لاعب شطرنج محترف زار متحف اللوفر مع مجموعة من أصدقائه و أثناء تجولهم ترك هذا اللاعب رفاقه و توقف ليحدق في اللوحة حتى أن المرشد الذي كان معهم أستدرك الأمر و ذهب ليطلب منه بأن يشارك رفاقه فى جولتهم و لكن سارع لاعب الشطرنك ليستوضح من مرشدهم طبيعة هذه اللوحة و عندما تحدث المرشد عن طبيعة اللوحة أستوقفه اللاعب حيث و من خبرته أكتشف أن هناك فرصة للفوز على الشيطان من خلال نقلة واحدة ناجحة ممكن أن تقلب المعادلة, لذلك سميت اللوحة أيضا بالنقلة الأخيرة أي أنه ومهما تكالبت عليك الهموم والانكسارات يوجد هناك دائما نقلة أخيرة يمكن أن تغير قواعد اللعبة ..

إن الاستسلام و الدوران فى دائرة رفض الذات و الهروب إلى اللاشيء أصبح هو الغالب فى حياة الإنسان أما الاجتهاد الصادق و العمل المخلص و نور البحث عن الحقيقة هو مقصد القليل من البشر الذين يحاربون دوامات العالم المادي و يستفيقون و ينهضون قبل أن يغرقون شعارهم "الرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَيْدًا، أَمَّا ثَرْوَةُ الإِنْسَانِ الْكَرِيمَةُ فَهِيَ الاجْتِهَادُرجاءهم دوماً فى الإيمان بالأفضل و أن الفوز فى نهاية الطريق لابد أن يواجه بتحديات و أن الانتصار على الصعاب يتطلب الألم لكن ليس الفناء إلى اللاشيء و أن هناك أمل مادامت هناك حياة و مادمت تملك فرصة أخرى و لعبة أخري فى مباراة الحياة فلابد أن تتمسك بها  حتى تكون نور لهذا العالم و ملح يعطى طعم لهذه لأرض .

             أيمن كرم باسيلى 

أنت الان في اول موضوع

تعليقات