القائمة الرئيسية

الصفحات

 


الفن هو السفينة التى تعبر بها الأمم فى بحر الحضارة الإنسانية و كما يقول الأديب الكبير يحيى حقى " الفن قبل كل شىء عنوان غنى النفس و اتصالها الوثيق بالكون و الحياة " . فلا سمو و لا رقى ولا تقدم وجد فى الشخصية الإنسانية أو فى أى دولة أو حضارة برزت قيمتها و مكانتها إلا وكان الفن مكون أساسى من مكوناتها . ففنان الكلمة سواء كانت مكتوبة أو منطوقة شعراً أو نثراً أو غناءً و فنانو المسرح و الموسيقى و الرسم والنحت والتشكيل هم أناس قد تخطوا حد المعتاد بل و أحياناً حد المعقول و سافروا عبر عوالم من الخيال ليتولد من خلالهم الفن بكافة أشكاله التى شكلت و رسمت جمال الحياة . من البديهى أن يفاجئ المبدع و الفنان الواقع فيجذب إليه كل عاشق للفن بل كل عاشق للحياة بل كل إنسان تدب فيه الروح لذلك فمع الفنان الذى أبدع و الجمهور الذى تجاوب وتفاعل تتغير صورة الواقع والحياة و تتحول لأرث تنهل منه كل الإنسانية .

إننا على صورة الله ومثاله , و الله المبدع الفريد و بادئ كل إبداع و فن خلق الكون فى نظام وجمال لا يمكن تصويره ,و خلق الإنسان فى أجمل و أروع و أدق تكوين و مازال يخلق داخل الإنسان و بالإنسان الذى هو صورته عبر الإلهام من خلال الفنون كل ما يسمو به و ينير حياته , و إن شخص يسوع المسيح الإله الكامل و الإنسان الكامل فى حياته الأرضية استخدم الفن القصصى و الأمثال و كذلك الفن الحكمى و النثر فى عظاته لينقل السامعين من المحسوس إلى اللا محسوس و من المنظور إلى اللا منظور ومن حياة الأرض لحياة السماء فكان الفن الذى استخدمه السيد المسيح أداة للتأمل و التفكر و التغير  .

 إننا بإيماننا بالله سعينا ان نقترب منه و نقرب لنا كل ما ألهم به القديسين من كُتاب الكتاب المقدس من خلال فنون التسبيح و التراتيل و فن الأيقونة و النحت وكلها كانت و سائل للتعبير عن محبة الله و تقريبها من البشر فكانت أداة للرسالة و الكرازة و كانت أداة لتغير الحياة والنمو بالإيمان المسيحى حتى أن  البابا يوحنّا بولس الثاني يضع الإرث الفنّي الذي أوحى به الإيمان في خانة "أدوات التعليم المسيحيّ المُدهشة" التي تحتاجها الكنيسة من أجل نشر البشارة التي عهد بها إليها مؤسِّسها، و "إحياء الرّسالة الشاملة للخير والجمال".بل إن  اللاهوتي الكندي رينيه لاتوريل يربط مسألة انحطاط الفنّ  في العصر الحالي بمسألة انحسار الإحساس بالإلهيّ.

إن احتياج الإنسان للفن كحاجته للهواء و الماء فالروح الإنسانية تتحسس الفن و تتآلف و تتلاقى معه و بالتالى فالفن صاحب التأثير الأكبر فى حياة الشعوب و موجه دفة حياتها و باعث النهضة و التغير للأفضل فى تاريخ الإنسانية فارتقاء الفن هو الطريق لارتقاء الحياة حتى أن الموسيقى السويسرى أرنيست ليفى يقول " ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن محمل الجد كما الفيزياء و الكيمياء والمال " .

 بالتالى فإنه من الضرورى أن يشعر كل صاحب مسئولية و صاحب سلطة أن مسئوليته تتجلى فى أن يطلق العنان للمبدعين و الفنانين فى كافة المجالات حتى يضمن تحقيق النهضة و الحضارة و الانجازات على المستوى الانسانى لكل مواطن و على كافة شعبه الذى ينتمى له و وكّل بمسئوليته و انه بعمله هذا فى تشجيع الفنون سوف يضمن حائط من الحب و الحرية به يواجه التطرف و الإرهاب و التعصب و التميز العنصرى و الجريمة و الخوف و انعدام الأخلاق . و فى المقابل على الفنان و المبدع مسئولية فى ما يقدمه  فيجب أن يعي تماماً أن الفن الجيد ليس ما يبدو فى ظاهرة فقط بل فيما يفعله من تغير حسن فى حياتنا و أنه يجب أن يُخلص لإلهام الله الذى منحه إياه ليغير وجه الأرض و يغير الحياة الإنسانية لكافة شعوب الأرض .                            

                                                               أيمن كرم باسيلى

تعليقات